فصل: فَصْلٌ: (النَّوْعُ الثَّانِي: الْمُحَرَّمَاتُ لِعَارِضٍ يَزُولُ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.فَصْلٌ: [فيمَنْ مَلَكَ أُخْتَيْنِ]:

(وَمَنْ مَلَكَ نَحْوَ أُخْتَيْنِ) كَامْرَأَةٍ وَعَمَّتِهَا أَوْ وَخَالَتِهَا (مَعًا) وَلَوْ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ (صَحَّ) الْعَقْدُ.
قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَلَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا انْتَهَى (وَلَهُ وَطْءُ أَيِّهِمَا شَاءَ) لِأَنَّ الْأُخْرَى لَمْ تَصِرْ فِرَاشًا؛ كَمَا لَوْ مَلَكَ إحْدَاهُمَا وَحْدَهَا (وَتَحْرُمُ بِهِ) أَيْ: بِوَطْءِ إحْدَاهُمَا (الْأُخْرَى) نَصًّا.
قَالَ الْقَاضِي: وَدَوَاعِي الْوَطْءِ تَحْرُمُ كَالْوَطْءِ، وَقَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ بَحْثًا فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَقَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ الْجَمْعُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِمُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ مَكْرُوهٌ لَا مُحَرَّمٌ؛ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ وَطْءِ إحْدَاهُمَا؛ فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلَامِ الْقَاضِي، فَإِنْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا؛ فَلَيْسَ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْعَقْدَ وَالْوَطْءَ جَمِيعًا كَسَائِرِ الْمَذْكُورَاتِ فِي الْآيَةِ، يَحْرُمُ وَطْؤُهُنَّ وَالْعَقْدُ عَلَيْهِنَّ، وَلِأَنَّهَا امْرَأَةٌ صَارَتْ فِرَاشًا؛ فَحُرِّمَتْ أُخْتُهَا كَالزَّوْجَةِ، وَيَسْتَمِرُّ التَّحْرِيمُ (حَتَّى يُحَرِّمَ الْمَوْطُوءَةَ) مِنْهُمَا عَلَى نَفْسِهِ (بِإِخْرَاجِهَا أَوْ بَعْضِهَا عَنْ مِلْكِهِ بِعِتْقٍ أَوْ وَقْفٍ)، أَوْ إزَالَةِ مِلْكِهِ (وَلَوْ بِبَيْعٍ لِلْحَاجَةِ) إلَى التَّفْرِيقِ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ الْجَمْعُ فِي النِّكَاحِ، وَيَحْرُمُ التَّفْرِيقُ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ أَحَدِهِمَا، وَكَلَامُ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ بِعُمُومِهِ يَقْتَضِي هَذَا. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ الْمَوْطُوءِ، لِلْحَاجَةِ، وَمَحِلُّ جَوَازِ ذَلِكَ (مَا لَمْ يَتَحَيَّلْ عَلَى بَيْعِ) هَا لِأَجْلِ (التَّفْرِقَةِ) بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَحِمِهَا، فَإِنَّ قَصَدَ بِبَيْعِهَا التَّفْرِقَةَ بِأَنْ بَاعَهَا مِنْ شَخْصٍ ظَاهِرًا لِتَبْقَى الْأُخْرَى مُنْفَرِدَةً، فَيَطَأُ أُخْتَهَا، ثُمَّ يَسْتَرِدُّهَا؛ حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ) أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ (بِهِبَةٍ) مَقْبُوضَةٍ لِغَيْرِ وَلَدِهِ لِئَلَّا يَمْلِكَ اسْتِرْجَاعَهَا (أَوْ تَزْوِيجٍ بَعْدَ اسْتِبْرَاءٍ)، لِيَعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ حَامِلًا مِنْهُ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَلَا يَكْفِي فِي إبَاحَتِهَا مُجَرَّدُ إزَالَةِ الْمِلْكِ حَتَّى تَنْقَضِيَ حَيْضَةُ الِاسْتِبْرَاءِ؛ فَتَكُونُ الْحَيْضَةُ كَالْعِدَّةِ (وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ تَحْرِيمِ) مَوْطُوءَةٍ بِأَنْ يَقُولَ: هِيَ حَرَامٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا يَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ، وَلَوْ كَانَ نَصًّا يُحَرِّمُهَا، إلَّا أَنَّهُ لِعَارِضٍ مَتَى شَاءَ أَزَالَهُ بِالْكَفَّارَةِ. (وَيَتَّجِهُ) وَلَا يَكْفِي تَحْرِيمُهَا (بِنَحْوِ إحْرَامٍ) مِنْهُ أَوْ مِنْهَا، وَكَالْحَيْضِ وَالصِّيَامِ وَالِاعْتِكَافِ؛ فَإِنَّهَا وَإِنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِتَلَبُّسِهَا بِمَا ذُكِرَ إلَّا أَنَّ مُدَّتَهُ تَنْقَضِي؛ فَلَا يُؤْمَنُ الْعَوْدُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ تُمَجَّسُ) فَلَا يَكْفِي تَحْرِيمُهَا بِتَمَجُّسِهَا؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ بِالْعِدَّةِ وَالرِّدَّةِ كَالتَّحْرِيمِ بِالْإِحْرَامِ، قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ. (أَوْ كِتَابَةٍ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَكْفِيهِ أَنْ يُكَاتِبَهَا؛ لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ اسْتِبَاحَتِهَا بِمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى غَيْرِهِمَا (أَوْ رَهْنٍ) لِأَنَّ مَنْعَهُ مِنْ وَطِئَهَا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ، لَا لِتَحْرِيمِهَا، وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، وَلِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ مَتَى شَاءَ (أَوْ بَيْعٍ بِشَرْطِ خِيَارٍ لَهُ) لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى اسْتِرْجَاعِهَا مَتَى شَاءَ بِفَسْخِ الْبَيْعِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكْفِيهِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِمُشْتَرٍ وَحْدَهُ (أَوْ هِبَةِ) الْمَوْطُوءَةِ لِمَنْ يُمْكِنُ اسْتِرْجَاعُهَا مِنْهُ كَهِبَتِهَا (لِوَلَدِهِ) قَالَ فِي الْوَجِيزِ فَإِنْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ الْمَوْطُوءَةَ بِمَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْفَعَهُ وَحْدَهُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، فَإِنْ أَخْرَجَ الْمِلْكَ لَازِمًا ثُمَّ عَرَضَ لَهُ فِي الْمُبِيحِ لِلْفَسْخِ مِثْلَ أَنْ يَبِيعَهَا بِسِلْعَةٍ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ مَعِيبَةً، أَوْ يُفْلِسُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ، أَوْ يَظْهَرُ فِي الْعِوَضِ تَدْلِيسٌ، أَوْ يَكُونُ مَغْبُونًا، فَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ: يُقَالَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ: إنَّهُ يُبَاحُ وَطْءُ الْأُخْتِ بِكُلِّ حَالٍ عَلَى عُمُومِ كَلَامِ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ، أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، قَالَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ (فَلَوْ خَالَفَ) مُشْتَرِي الْأُخْتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا (وَوَطِئَ الْأُخْرَى) قَبْلَ إخْرَاجِ الْمَوْطُوءَةِ أَوَّلًا، أَوْ بِبَعْضِهَا عَنْ مِلْكِهِ (لَزِمَهُ أَنْ يُمْسِكَ عَنْهَا) أَيْ: الْمَوْطُوءَةِ أَوَّلًا، وَالْمَوْطُوءَةِ ثَانِيًا (حَتَّى يُحَرِّمَ إحْدَاهُمَا) بِإِخْرَاجٍ لَهَا أَوْ لِبَعْضِهَا عَنْ مِلْكِهِ وَحَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا (كَمَا تَقَدَّمَ) لِأَنَّ الثَّانِيَةَ صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ يَلْحَقُهُ نَسَبُ وَلَدِهَا، فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ أُخْتُهَا أَوْ نَحْوُهَا؛ كَمَا لَوْ وَطِئَهَا ابْتِدَاءً؛ وَاسْتِدْلَالُ مَنْ قَالَ: الْأُولَى بَاقِيَةٌ عَلَى الْحِلِّ بِحَدِيثِ: «إنَّ الْحَرَامَ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ» لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ إذَا وَطِئَ الْأُولَى وَطْئًا مُحَرَّمًا، كَفِي حَيْضٍ أَوْ إحْرَامٍ أَوْ صَوْمِ فَرْضٍ؛ فَإِنَّ أُخْتَهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ (فَإِنْ عَادَتْ) الَّتِي أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ (لِمِلْكِهِ وَلَوْ) كَانَ عَوْدُهَا (قَبْلَ وَطْءِ الْبَاقِيَةِ) فِي مِلْكِهِ (لَمْ يُصِبْ وَاحِدَةً) مِنْهُمَا (حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى) عَلَى نَفْسِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يُخْرِجْهَا عَنْ مِلْكِهِ (قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ): هَذَا (إنْ لَمْ يَجِبْ اسْتِبْرَاءٌ كَبِنْتٍ دُونَ تِسْعٍ) وَكَمَا لَوْ زَوَّجَهَا فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ فَيَكُفُّ عَنْهَا وَعَنْ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا (فَإِنْ وَجَبَ) الِاسْتِبْرَاءُ بِأَنْ بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا، ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ (لَمْ يَلْزَمْ تَرْكُ الْبَاقِيَةِ فِيهِ) أَيْ: زَمَنَ الِاسْتِبْرَاءِ (فَقَطْ) لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ زَمَنَهُ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى رَفْعِهِ (قَالَ الْمُنَقِّحُ وَهُوَ) أَيْ: قَوْلُ ابْنِ نَصْرِ اللَّهِ (حَسَنٌ) وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ عَادَتْ إلَيْهِ مُعْتَدَّةً؛ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَرْكُ الْبَاقِيَةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْعَائِدَةِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهَا إنْ عَادَتْ إلَيْهِ مَوْطُوءَتُهُ الَّتِي أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ لِحِلِّ وَطْءِ نَحْوِ أُخْتِهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ إحْدَاهُمَا؛ سَوَاءٌ وُجِدَ اسْتِبْرَاءٌ أَوْ لَا حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى (وَإِلَّا)؛ نُوجِبُ عَلَيْهِ اجْتِنَابَهُمَا (لَحَلَّتْ) لَهُ مَنْ أَصَابَ نَحْوَ أُخْتِهَا (بِوَطْءِ نَحْوِ شُبْهَةٍ) كَزِنًا (بِلَا نَقْلِ مِلْكٍ) فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا؛ وَهَذَا مُمْتَنِعٌ لِنَصِّ الْإِمَامِ عَلَى أَنَّهَا إذَا رَجَعَتْ إلَيْهِ بَعْدَ خُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ لَا تَحِلُّ لَهُ إحْدَاهُمَا مَعَ تَعَيُّنِ الِاسْتِبْرَاءِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْمُسَوَّدَةِ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ تَزَوَّجَ أُخْت سُرِّيَّتِهِ، وَلَوْ بَعْدَ إعْتَاقِهَا زَمَنَ اسْتِبْرَائِهَا؛ لَمْ يَصِحَّ) النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ تَصِيرُ بِهِ الْأَمَةُ فِرَاشًا، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَرِدَ عَلَى فِرَاشِ الْأُخْتِ كَالْوَطْءِ، وَيُفَارِقُ النِّكَاحَ شِرَاءُ أُخْتِهَا وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ لِلْوَطْءِ وَغَيْرِهِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ، وَلِهَذَا صَحَّ شِرَاءُ الْأُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَشِرَاءُ مَنْ تُحَرَّمُ بِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ. (وَلَهُ) أَيْ: الْمُتَسَرِّي (نِكَاحُ أَرْبَعٍ سِوَاهَا) أَيْ: سِوَى أُخْتِ سُرِّيَّتِهِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ نَحْوِ أُخْتِهَا لِمَعْنًى لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا) أَيْ؛ نَحْوَ أُخْتِ سُرِّيَّتِهِ (بَعْدَ تَحْرِيمِ السُّرِّيَّةِ) بِنَحْوِ بَيْعٍ (وَ) بَعْدَ (اسْتِبْرَائِهَا؛ صَحَّ، ثُمَّ إنْ رَجَعَتْ إلَيْهِ السُّرِّيَّةُ) بِنَحْوِ بَيْعٍ (فَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ) لَا يَنْفَسِخُ بِذَلِكَ؛ لِصِحَّتِهِ وَقُوَّتِهِ.
قَالَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: وَحِلُّهَا مِنْ حَيْثُ الزَّوْجِيَّةِ بَاقٍ لِقُوَّةِ الزَّوْجِيَّةِ. (وَحَرُمَ) عَلَيْهِ (وَطْءُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا) حَتَّى يُحَرِّمَ عَلَيْهِ الْأُخْرَى كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ لَا يُنَافِي بَقَاءَ الزَّوْجِيَّةِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ الْعَارِضَ لَا يَرْفَعُ الزَّوْجِيَّةَ، فَلَا يَرْفَعُ أَثَرَهَا كَالزَّوْجَةِ الْحَائِضِ. (وَيَتَّجِهُ) عَلَى مُقْتَضَى (بَحْثِهِمَا) أَيْ: بَحْثِ الْمَجْدِ وَابْنِ نَصْرِ اللَّهِ وَالْمُنَقِّحِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفُّ عَنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ إحْدَاهُمَا (إنْ لَمْ يَلْزَمْ) الرَّاجِعَةَ إلَيْهِ (اسْتِبْرَاءٌ) كَكَوْنِهَا دُونَ تِسْعٍ، أَوْ زَوَّجَهَا كَبِيرَةً، وَطَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَمَّا إذَا لَزِمَهَا الِاسْتِبْرَاءُ فَلَهُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَطْءُ الزَّوْجَةِ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ الْأَمَةُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَرْتَضِ مَا قَالَاهُ، وَرَدَّهُ بِالِاتِّجَاهِ السَّابِقِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(فَائِدَةٌ):
وَإِنْ اشْتَرَى رَجُلٌ أُخْتَيْنِ مُسْلِمَةً وَمَجُوسِيَّةً أَوْ وَثَنِيَّةً أَوْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ لِنَحْوِ رَضَاعٍ، فَلَهُ وَطْءُ الْمُسْلِمَةِ الَّتِي لَا مَانِعَ بِهَا، بِخِلَافِ الْأُخْرَى. (وَمَنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا حَرُمَ) عَلَيْهِ (فِي عِدَّتِهَا) فِي مَوْطُوءَةِ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًا (نِكَاحُ أُخْتِهَا) وَنَحْوِهَا (وَ) حَرُمَ عَلَيْهِ (وَطْؤُهَا) أَيْ: أُخْتِ مَوْطُوءَتِهِ (إنْ كَانَتْ) أُخْتُهَا (زَوْجَةً أَوْ أَمَةً) لَهُ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا يَحِلُّ لِمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَجْمَعَ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ» (وَحَرُمَ) عَلَى وَاطِئِ امْرَأَةٍ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا (أَنْ يَزِيدَ عَلَى ثَلَاثٍ غَيْرِهَا) أَيْ: الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا (بِعَقْدٍ) فَإِنْ كَانَ مَعَهُ ثَلَاثُ زَوْجَاتٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُ رَابِعَةٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ مَوْطُوءَتِهِ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا (أَوْ وَطِئَ) أَيْ: (إنْ كَانَ مَعَهُ أَرْبَعُ) زَوْجَاتٍ وَوَطِئَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا، لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَ مِنْهُنَّ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ مَوْطُوءَتِهِ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا؛ لِئَلَّا يَجْمَعَ مَاءَهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ (وَيَتَّجِهُ لَا) إنْ وَطِئَ (مَنْ لَا عِدَّةَ لَهَا لِصِغَرٍ) بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا، أَيْ؛ فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ عَلَى ثَلَاثٍ غَيْرِهَا: لِأَنَّهُ إنَّمَا مُنِعَ مِنْ الزِّيَادَةِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا؛ وَهَذِهِ الْبَرَاءَةُ مُتَيَقَّنَةٌ فِي الصَّغِيرَةِ، فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ عَلَى غَيْرِهَا، وَلَا وَطْءُ أَرْبَعٍ كُنَّ مَعَهُ حِينَ وَطِئَهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ مَوْطُوءَةٍ بِشُبْهَةٍ فِي عِدَّتِهَا) كَمُعْتَدَّةٍ مِنْ نِكَاحٍ (إلَّا مِنْ وَاطِئٍ) لَهَا بِشُبْهَةٍ، فَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، لِأَنَّ مَنْعَهَا مِنْ النِّكَاحِ لِإِفْضَائِهِ إلَى اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ وَاشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ، وَهُوَ مَأْمُونٌ هُنَا؛ لِأَنَّ النَّسَبَ كَمَا يَلْحَقُ فِي النِّكَاحِ يَلْحَقُ فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ نَكَحَ مُعْتَدَّتَهُ مِنْ طَلَاقٍ، وَمَحِلُّ جَوَازِ نِكَاحِهَا لِوَاطِئِهَا بِالشُّبْهَةِ، (إنْ لَمْ تَلْزَمْهَا عِدَّةٌ مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ: الْوَاطِئِ، فَإِنْ لَزِمَتْهَا عِدَّةٌ مِنْ غَيْرِهِ؛ فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّتَانِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. (وَلَيْسَ لِحُرٍّ جَمْعُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ)؛ «لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ حِينَ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ: أَمْسِكْ أَرْبَعًا، وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ». وَقَالَ نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: «أَسْلَمْت وَتَحْتِي خَمْسُ نِسْوَةٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَارِقْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ» رَوَاهمَا الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَإِذَا مُنِعَ مِنْ اسْتِدَامَةِ زِيَادَةٍ عَلَى أَرْبَعٍ، فَالِابْتِدَاءُ أَوْلَى وقَوْله تَعَالَى: «فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ» أُرِيدَ بِهِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثٍ وَأَرْبَعٍ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ لِكُلٍّ تِسْعَةَ أَجْنِحَةٍ، وَلَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَقَالَ: تِسْعَةً، وَلَمْ يَكُنْ لِلتَّطْوِيلِ مَعْنًى، وَمَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ جَهِلَ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ (إلَّا نَبِيُّنَا) مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَتَقَدَّمَ) أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَيِّ عَدَدٍ شَاءَ؛ تَكْرِمَةً لَهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَاتَ عَنْ تِسْعٍ. (وَلَا لِعَبْدٍ جَمَعَ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْنِ) أَيْ: زَوْجَتَيْنِ، لِقَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. وَقَدْ رَوَى لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ قُتَيْبَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَجْمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْكِحُ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْنِ. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّاسَ: كَمْ يَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: اثْنَتَيْنِ، وَطَلَاقُ اثْنَتَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ، فَلَمْ يُنْكَرْ، وَهَذَا يَخُصُّ عُمُومَ الْآيَةِ مَعَ أَنَّ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الْأَحْرَارِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وَلِأَنَّ النِّكَاحَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّفْضِيلِ، وَلِهَذَا فَارَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ أُمَّتَهُ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ التَّسَرِّي، وَلَوْ أَذِنَهُ سَيِّدُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ. (وَلِمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ فَأَكْثَرُ جَمْعٍ ثَلَاثُ) زَوْجَاتٍ نَصًّا اثْنَتَيْنِ بِنِصْفِهِ الْحُرِّ، وَوَاحِدَةٍ بِنِصْفِهِ الرَّقِيقِ، فَإِنْ كَانَ دُونَ نِصْفِهِ حُرٌّ؛ فَلَهُ نِكَاحُ اثْنَتَيْنِ فَقَطْ، فَإِنْ مَلَكَ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ جَارِيَةً فَمِلْكُهُ تَامٌّ، وَلَهُ الْوَطْءُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي. وَفِي الْفُنُونِ قَالَ فَقِيهٌ: شَهْوَةُ الْمَرْأَةِ فَوْقَ شَهْوَةٍ الرَّجُلِ تِسْعَةَ أَجْزَاءٍ، فَقَالَ حَنْبَلِيٌّ: لَوْ كَانَ هَذَا مَا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَرْبَعٍ، وَيَنْكِحَ مِنْ الْإِمَاءِ مَا يَشَاءُ، وَلَا تَزِيدُ امْرَأَةٌ عَلَى رَجُلٍ، وَلَهَا مِنْ الْقَسْمِ الرُّبُعُ، وَحَاشَا حِكْمَتِهِ أَنْ يُضَيِّقَ عَلَى الْأَحْوَجِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبَعْضُهُمْ يَرْفَعُهُ: «فُضِّلَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الرَّجُلِ بِتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ جُزْءًا مِنْ اللَّذَّةِ. أَوْ قَالَ: مِنْ الشَّهْوَةِ. وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلْقَى عَلَيْهِنَّ الْحَيَاءَ». (وَمَنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ نِهَايَةِ جَمْعِهِ) كَحُرٍّ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ أَرْبَعٍ، أَوْ عَبْدٍ وَاحِدَةً مِنْ اثْنَتَيْنِ (حَرُمَ عَلَيْهِ تَزَوُّجُهُ بَدَلَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَدَّةَ فِي حُكْمِ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ أَثَرُ النِّكَاحِ، فَكَأَنَّهُ بَاقٍ، فَلَوْ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ غَيْرَهَا لَكَانَ جَامِعًا بَيْنَ أَكْثَرَ مِمَّنْ يُبَاحُ لَهُ (بِخِلَافِ مَوْتِهَا) فَإِنْ مَاتَتْ، فَلَهُ نِكَاحُ غَيْرِهَا فِي الْحَالِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِنِكَاحِهَا أَثَرٌ (فَإِنْ قَالَ) مُطَلِّقُ وَاحِدَةٍ مِنْ نِهَايَةِ جَمْعِهِ عَنْهَا (أَخْبَرَتْنِي بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا) فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ انْقِضَاؤُهَا فِيهَا (فَكَذَّبَتْهُ) لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا عَلَيْهِ فِي عَدَمِ جَوَازِ نِكَاحِ غَيْرِهَا، لِأَنَّهَا لَا حَقَّ لَهَا فِي هَذِهِ الدَّعْوَى، وَإِنَّمَا الْحَقُّ فِي ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ فِي ذَلِكَ بِإِرَادَةِ مَنْعِهِ نِكَاحَ غَيْرِهَا. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ (فَلَهُ نِكَاحُ أُخْتِهَا وَ) لَهُ نِكَاحُ (بَدَلِهَا) وَإِنْ كَانَتْ مِنْ نِهَايَةِ جَمْعِهِ فِي الظَّاهِرِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: وَأَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ كَاذِبًا، أَوْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا. (وَتَسْقُطُ الرَّجْعَةُ) فَلَيْسَ لَهُ رَجْعَتُهَا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَ(لَا) تَسْقُطُ عَنْهُ (السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ لَهَا) إنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً مَعَ تَكْذِيبِهَا لَهُ فِي أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا؛ لِأَنَّهُمَا حَقٌّ لَهَا عَلَيْهِ يَدَّعِي سُقُوطَهُ، وَهِيَ مُنْكِرَةٌ لَهُ، وَالْأَصْلُ مَعَهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِيهِ دُونَهُ. (وَلَا) يَسْقُطُ (نَسَبُ الْوَلَدِ) إذَا أَتَتْ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ لِفَوْقِ أَرْبَعِ سِنِينَ مَا لَمْ يَثْبُتْ إقْرَارُهَا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْقُرْءِ، ثُمَّ تَأْتِي بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَهَا، لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُطَلِّقِ لَا يُقْبَلُ عَلَيْهَا.

.فَصْلٌ: [النَّوْعُ الثَّانِي: الْمُحَرَّمَاتُ لِعَارِضٍ يَزُولُ]:

النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ:
(النَّوْعُ الثَّانِي) مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ إلَى أَمَدٍ: الْمُحَرَّمَاتُ (لِعَارِضٍ يَزُولُ، فَتَحْرُمُ) عَلَيْهِ (زَوْجَةُ غَيْرِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (وَ) تَحْرُمُ (مُعْتَدَّتُهُ) أَيْ: غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} (وَ) تَحْرُمُ (مُسْتَبْرَأَةٌ) مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْمُعْتَدَّةِ؛ لِأَنَّ تَزَوُّجَهَا زَمَنَ اسْتِبْرَائِهَا يُفْضِي إلَى اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ، وَاشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُعْتَدَّةُ وَالْمُسْتَبْرَأَة مِنْ وَطْءٍ مُبَاحٍ أَوْ مُحَرَّمٍ كَشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا أَوْ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، لِعُمُومِ مَا تَقَدَّمَ (وَ) كَذَا تَحْرُمُ (مُرْتَابَةٌ بَعْدَ عِدَّةٍ بِحَمْلٍ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْحَمْلِ، فَلَوْ وَضَعَتْ وَلَدًا وَشَكَّتْ فِي وُجُودِ ثَانٍ، لَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ وَيُتَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَعَهَا حَمْلٌ (وَ) تَحْرُمُ (زَانِيَةٌ عَلَى زَانٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى تَتُوبَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} وَهُوَ خَبَرٌ مَعْنَاهُ النَّهْيُ، وَالْمَفْهُومُ قَوْله تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ} وَهُنَّ الْعَفَائِفُ، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: يَوْمَ حُنَيْنٌ: {لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ} يَعْنِي إتْيَانَ الْحَبَالَى. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. فَإِنْ كَانَتْ الزَّانِيَةُ حَامِلًا مِنْ الزِّنَا، لَمْ يَحِلَّ نِكَاحُهَا قَبْلَ الْوَضْعِ؛ لِمَا سَبَقَ وَتَوْبَتِهَا (بِأَنْ تُرَاوَدَ) عَلَى الزِّنَا (فَتَمْنَعَ) مِنْهُ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ: كَيْف تَعْرِفُ تَوْبَتَهَا؟ قَالَ: يُرَاوِدُهَا عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ طَاوَعَتْهُ، فَلَمْ تَتُبْ، وَإِنْ أَبَتْ فَقَدْ تَابَتْ، فَصَارَ أَحْمَدُ إلَى قَوْلِ عُمَرَ اتِّبَاعًا لَهُ.
قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ، وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ أَرَادَ مُخَالَطَةَ إنْسَانٍ امْتَحَنَهُ حَتَّى يَعْرِفَ بِرَّهُ أَوْ فُجُورَهُ أَوْ تَوْبَتَهُ، وَيَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ مَنْ يَعْرِفُهُ (وَاخْتَارَ جَمْعٌ) مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ: لَا يَنْبَغِي امْتِحَانُهَا بِطَلَبِ الزِّنَا مِنْهَا بِحَالٍ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَكُونُ تَوْبَتُهَا كَتَوْبَةِ غَيْرِهَا، فَإِذَا نَدِمَتْ، وَأَقْلَعَتْ وَعَزَمَتْ عَلَى أَنْ لَا تَعُودَ؛ فَإِنَّهَا تَصِحُّ تَوْبَتُهَا (وَلَوْ لَمْ تُرَاوَدْ) لِأَنَّ التَّوْبَةَ مِنْ سَائِرِ الذُّنُوبِ فِي حَقِّ سَائِرِ النَّاسِ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَائِرِ الْأَحْكَامِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، فَكَذَلِكَ هُنَا، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ؛ لِنَصِّ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ هَانِئٍ وَقَدْ سُئِلَ: مَا عِلْمُهُ بِأَنَّهَا قَدْ تَابَتْ؟ قَالَ: يُرِيدُهَا عَلَى مَا كَانَ أَرَادَهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ امْتَنَعَتْ فَهِيَ تَائِبَةٌ يَتَزَوَّجُهَا، وَإِنْ طَاوَعَتْهُ فَلَا يَتَزَوَّجُهَا، وَكَذَلِكَ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ عَنْهُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنْ تَابَتْ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، حَلَّتْ لِزَانٍ كَغَيْرِهِ، لَا يُقَالُ: الْمُرَاوَدَةُ مِنْ التَّجَسُّسِ عَلَى الْعَيْبِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَجَسَّسُوا} لِأَنَّا نَقُولُ: الْأُمُورُ بِمَقَاصِدِهَا، وَالْقَصْدُ بِمُرَاوَدَتِهَا الْعِلْمُ بِأَنَّهَا فِرَاشًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، فَيَقْدُمُ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ بِعَدَمِهِ فَلَا يَقْدُمُ هُوَ عَلَيْهِ، وَيَنْصَحُ مَنْ كَانَ غَافِلًا، أَوْ مَنْ اسْتَنْصَحَهُ فِي ذَلِكَ؛ إذَا النَّصِيحَةُ وَاجِبَةٌ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَلَيْسَ الْغَرَضُ الْعِلْمَ بِعَيْبِهَا فَقَطْ، كَمَا تَوَهَّمَهُ الْمُوَفَّقُ، فَقَالَ بِحُرْمَةِ الْمُرَاوَدَةِ، قَالَهُ الْخَلْوَتِيُّ.
(وَ) تَحْرُمُ عَلَيْهِ (مُطَلَّقَتُهُ ثَلَاثًا) بِكَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهُمَا) أَيْ: الزَّانِيَةِ وَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا مِنْ زَوْجٍ نَكَحَتْهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} وَالْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ هُنَا الْوَطْءُ، «لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِامْرَأَةِ رِفَاعَةَ لَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تَرْجِعَ إلَيْهِ بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَتَزَوَّجَتْ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ: لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ».
(وَ) تَحْرُمُ (مُحْرِمَةٌ حَتَّى تَحِلَّ) مِنْ إحْرَامِهَا؛ لِحَدِيثِ عُثْمَانَ مَرْفُوعًا: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكَحُ، وَلَا يَخْطُبُ» رَوَاه الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَلَمْ يَذْكُرْ التِّرْمِذِيُّ الْخِطْبَةَ، وَلِأَنَّهُ عَارَضَ مَنْعَ الطِّيبِ فَمَنَعَ النِّكَاحَ كَالْعِدَّةِ.
(وَ) تَحْرُمُ (مُسْلِمَةٌ عَلَى كَافِرٍ حَتَّى يُسْلَمَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا}. وَقَوْلُهُ: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ}.
(وَ) يَحْرُمُ (عَلَى مُسْلِمٍ وَلَوْ) كَانَ (عَبْدًا) نِكَاحُ (كَافِرَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} وَلِقَوْلِهِ: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} (غَيْرِ حُرَّةٍ كِتَابِيَّةٍ أَبَوَاهَا كِتَابِيَّانِ وَلَوْ) كَانَتْ (حَرْبِيَّةً) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} فَهُوَ مُخَصِّصٌ لِمَا تَقَدَّمَ، وَأَهْلُ الْكِتَابِ مَنْ دَانَ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ خَاصَّةً، (أَوْ) كَانَ أَبَوَاهَا (مِنْ بَنِي تَغْلِبَ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ) مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَيَهُودِهِمْ؛ فَهَؤُلَاءِ تَحِلُّ نِسَاؤُهُمْ، لِأَنَّهُنَّ كِتَابِيَّاتٌ، فَيَدْخُلْنَ فِي عُمُومِ الْآيَةِ، وَأَهْلُ الْكِتَابِ هُمْ أَهْلُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ كَالْيَهُودِ وَالسَّامِرَةِ وَالنَّصَارَى وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ الْإِفْرِنْجِ وَالْأَرْمَنِ وَغَيْرِهِمْ (حَتَّى تُسْلِمَ) فَتَحِلُّ بَعْدَ إسْلَامِهَا لِلْمُسْلِمِ؛ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ كَانَتْ غَيْرَ حُرَّةٍ كِتَابِيَّةً أَوْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهَا غَيْرَ كِتَابِيٍّ مِمَّنْ سَيَأْتِي بَيَانُهُمْ لَا تَحِلُّ لِمُسْلِمٍ (وَلَوْ اخْتَارَتْ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ) لِأَنَّهَا لَمْ تَتَمَحَّضْ كِتَابِيَّةً، أَوْ لِأَنَّهَا مُتَوَلَّدَةٌ بَيْنَ مَنْ يَحِلُّ وَبَيْنَ مَنْ لَا يَحِلُّ، فَلَمْ تَحِلَّ كَالسِّمْعِ وَالْبَغْلِ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَالْمُبْدِعِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ حَيْثُ قَالُوا: إذَا كَانَ أَبَوَاهَا غَيْرَ كِتَابِيَّيْنِ، وَاخْتَارَتْ هِيَ دِينُ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا تَحْرُمُ (وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ كِتَابِيَّةً، وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (يُكْرَهُ) نِكَاحُهَا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَدْ سَأَلَهُ: تَرَى لِلرَّجُلِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ نَصْرَانِيَّةً أَوْ يَهُودِيَّةً؟ قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَهَا الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَمَحِلُّ كَرَاهَةِ ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الْحَرَائِرِ الْمُسْلِمَاتِ (وَ) كَمَا يُكْرَهُ أَكْلُ (ذَبَائِحِهِمْ بِلَا حَاجَةٍ) تَدْعُو إلَيْهِ (وَكَوَثَنِيٍّ) فِي الْحُكْمِ (مَنْ تَمَسَّكَ بِصُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَشِيثٍ وَزَبُورِ دَاوُد) مِنْ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ، وَلَا ذَبَائِحُهُمْ كَالْمَجُوسِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ، وَلِأَنَّ تِلْكَ الْكُتُبَ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ لَيْسَتْ بِشَرَائِعَ، وَإِنَّمَا هِيَ مَوَاعِظُ وَأَمْثَالٌ (أَوْ كَمُرْتَدٍّ) فِي الْحُكْمِ (نَحْوِ دُرْزِيٍّ) وَإِسْمَاعِيلِيٍّ (وَنُصَيْرِيٍّ؛ فَلَا تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ وَلَا مُنَاكَحَتُهُمْ) وَلَا يُقَرُّونَ عَلَى دِينٍ، وَإِنْ تَدَيَّنُوا بِدِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ نِسَائِهِمْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ؛ كَمَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ، وَيَأْتِي لِذَلِكَ مَزِيدُ بَيَانٍ فِي بَابِ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ (وَمُنِعَ نَبِيُّنَا) مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِنْ نِكَاحِ كِتَابِيَّةٍ) إكْرَامًا لَهُ؛ (كـَ) مَا مُنِعَ مِنْ (نِكَاحِ أَمَةٍ، وَلَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ) وَتَقَدَّمَ فِي الْخَصَائِصِ.
(وَ) يَحِلُّ (لِكِتَابِيٍّ نِكَاحُ مَجُوسِيَّةٍ وَ) يَحِلُّ لَهُ أَيْضًا (وَطْؤُهَا بِمِلْكِ) يَمِينٍ قِيَاسًا عَلَى الْمُسْلِمِ يَنْكِحُ الْكِتَابِيَّةَ وَيَطَؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَ(لَا) يَحِلُّ نِكَاحُ (مَجُوسِيٍّ لِلْكِتَابِيَّةِ) نَصًّا، لِأَنَّهَا أَشْرَفُ مِنْهُ، فَإِنْ مَلَكَهَا؛ فَلَهُ وَطْؤُهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ (وَيَتَّجِهُ جَوَازُ نِكَاحِ يَهُودِيٍّ لِنَصْرَانِيَّةٍ وَ) يَجُوزُ (عَكْسُهُ) أَيْ: نِكَاحُ نَصْرَانِيٍّ لِيَهُودِيَّةٍ؛ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ كِلَا الطَّائِفَتَيْنِ أَهْلُ كِتَابٍ يَتَدَيَّنُونَ بِهِ، وَيُقِرُّونَ عَلَى كُفْرِهِمْ بِالْجِزْيَةِ، وَلَيْسَ بَعْضُهُمْ بِأَشْرَفَ مِنْ بَعْضٍ، فَجَازَ لِذَلِكَ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
تَنْبِيهٌ:
إذَا تَزَوَّجَ الْمُرْتَدُّ كَافِرَةً مُرْتَدَّةً أَوْ غَيْرَهَا أَوْ تَزَوَّجَتْ الْمُرْتَدَّةُ كَافِرًا، ثُمَّ أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ، فَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هُنَا أَنَّا نُقِرُّهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا كَالْحَرْبِيِّ إذَا نَكَحَ نِكَاحًا فَاسِدًا، ثُمَّ أَسْلَمَا، فَإِنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَقَدْ عَادَ الْمُرْتَدُّونَ إلَى الْإِسْلَامِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ: فَلَمْ يُؤْمَرُوا بِاسْتِئْنَافِ أَنْكِحَتِهِمْ، وَهَذَا جَيِّدٌ فِي الْقِيَاسِ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَلَا يَحِلُّ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ) وَلَوْ خَصِيًّا أَوْ مَجْبُوبًا (نِكَاحُ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ، وَلَوْ مُبَعَّضَةً إلَّا إنْ خَافَ عَنَتَ الْعُزُوبَةِ؛ لِحَاجَةِ مُتْعَةٍ أَوْ) حَاجَةِ (خِدْمَةٍ) لِكِبَرٍ أَوْ سَقَمٍ أَوْ نَحْوِهِمَا نَصًّا (وَلَوْ) كَانَ خَوْفَ عَنَتِ الْعُزُوبَةِ (مَعَ صِغَرِ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ أَوْ غَيْبَتِهَا أَوْ مَرَضِهَا) أَيْ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ نَصًّا (وَلَا يَجِدُ طَوْلًا) أَيْ (مَالًا حَاضِرًا يَكْفِي لِنِكَاحِ حُرَّةٍ) (وَلَوْ) كَانَتْ الْحُرَّةُ (كِتَابِيَّةً، فَتَحِلُّ) لَهُ الْأَمَةُ بِهَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ خَوْفَ الْعَنَتِ وَعَدَمُ الطَّوْلِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ}- إلَى قَوْلِهِ {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} (وَصَبْرُهُ) عَنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ (أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} وَلَهُ تَزَوُّجُ الْأَمَةِ بِالشَّرْطَيْنِ مَعَ سَفَرِ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ أَوْ غَيْبَتِهَا أَوْ مَرَضِهَا بِحَيْثُ تَعْجِزُ بِهِ عَنْ الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ الَّتِي لَا تُعِفُّهُ كَالْعَدَمِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَادَّعَى أَنَّهُ وَدِيعَةٌ أَوْ مُضَارَبَةٌ؛ قُبِلَ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ؛ فَإِنْ عُدِمَ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ، أَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ كَافِرَةً، وَلَوْ كِتَابِيَّةً لَمْ تَحِلَّ لِلْمُسْلِمِ، لِلْآيَةِ قَالَ فِي الشَّرْحِ: أَوْ وَجَدَ مَالًا، وَلَكِنْ لَمْ يُزَوَّجْ حُرَّةً لِقُصُورِ نَسَبِهِ؛ فَلَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَطِيعِ الطَّوْلِ إلَى حُرَّةٍ تُعِفُّهُ؛ فَأَشْبَهَ مَنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَكِنَّهُ غَائِبٌ (وَلَوْ قَدَرَ) عَادِمُ الطَّوْلِ خَائِفُ الْعَنَتِ (عَلَى ثَمَنِ أَمَةٍ)؛ فَيَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ، قَدَّمَهُ فِي التَّنْقِيحِ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى وَهُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ، هُوَ فِي قَوْلِهِ: وَلَا يَقْدِرُ عَلَى ثَمَنِ أَمَةٍ، وَلَوْ كِتَابِيَّةً فَتَحِلُّ. انْتَهَى وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَبْطُلُ نِكَاحُهَا) أَيْ: الْأَمَةِ إذَا تَزَوَّجَهَا بِالشَّرْطَيْنِ (إنْ أَيْسَرَ) فَمَلَكَ مَا يَكْفِيهِ لِنِكَاحِ حُرَّةٍ (وَلَوْ نَكَحَ حُرَّةً عَلَيْهَا أَوْ زَالَ خَوْفُ الْعَنَتِ وَنَحْوِهِ) كَمَا لَوْ تَزَوَّجَا لِغَيْبَةِ زَوْجَتِهِ فَحَضَرَتْ، أَوْ لِصِغَرِهَا فَكَبُرَتْ، أَوْ لِمَرَضِهَا فَعُوفِيَتْ، لِأَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لِابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، لَا لِاسْتِدَامَتِهِ، وَهِيَ تُخَالِفُ ابْتِدَاءَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْعِدَّةَ وَالرِّدَّةَ يَمْنَعَانِ ابْتِدَاءَهُ، دُونَ اسْتِدَامَتِهِ، وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: إذَا تَزَوَّجَ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ قَسَّمَ لِلْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ وَلِلْأَمَةِ لَيْلَةً (وَلَهُ) أَيْ: لِمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً بِشَرْطَيْهِ إنْ لَمْ تُعِفَّهُ الْأَمَةُ (نِكَاحُ) أَمَةٍ أُخْرَى عَلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ تُعِفَّاهُ؛ فَلَهُ نِكَاحُ ثَالِثَةٍ، وَهَكَذَا (إلَى أَنْ يَصِرْنَ أَرْبَعًا) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ} إلَى آخِرِهِ (وَكَذَا) لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً (عَلَى حُرَّةٍ لَمْ تُعِفَّهُ) الْحُرَّةُ (بِشَرْطِهِ) بِأَنْ لَا يَجِدَ طَوْلًا لِنِكَاحِ حُرَّةٍ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ.
قَالَ أَحْمَدُ: إذَا لَمْ يَصِرْنَ كَيْف يَصْنَعُ؟ وَإِنْ نَكَحَ أَمَتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَهُوَ يَسْتَعِفُّ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا؛ فَنِكَاحُهُمَا بَاطِلٌ؛ لِبُطْلَانِهِ فِي إحْدَاهُمَا، وَلَيْسَتْ بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى؛ فَبَطَلَ فِيهِمَا، كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ (وَكِتَابِيٌّ حُرٌّ فِي ذَلِكَ) أَيْ: فِي تَزَوُّجِ الْأَمَةِ (كَمُسْلِمٍ) فَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بِالشَّرْطَيْنِ، وَكَوْنُهَا كِتَابِيَّةً. (وَمَنْ وَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ) مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ حُرَّةً؛ لَمْ يَلْزَمْهُ، لِأَنَّ الْمُقْرِضَ يُطَالِبُهُ بِهِ فِي الْحَالِ (أَوْ رَضِيَتْ الْحُرَّةُ بِتَأَخُّرِ صَدَاقٍ) لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّهَا تُطَالِبُهُ (أَوْ) رَضِيَتْ الْحُرَّةُ (بِدُونِ مَهْرِ مِثْلٍ) أَوْ رَضِيَتْ بِتَفْوِيضِ بَعْضِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّ لَهَا طَلَبَ فَرْضِهِ (أَوْ وَهَبَ لَهُ) الصَّدَاقَ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ (أَوْ لَمْ يَجِدْ) مَنْ يُزَوِّجُهُ (إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ بِمَا يُجْحِفُ مَالَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ) أَنْ يَتَزَوَّجَ الْحُرَّةَ، وَجَازَ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ حَيْثُ خَافَ الْعَنَتَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ طَوْلًا لِنِكَاحِ حُرَّةٍ بِلَا ضَرَرٍ عَلَيْهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي خَشْيَةِ الْعَنَتِ وَعَدَمِ الطَّوْلِ بِلَا يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِحَالِ نَفْسِهِ.
فَائِدَةٌ:
وَنِكَاحُ مَنْ بَعْضُهَا حُرٌّ مَعَ وُجُودِ الشَّرْطَيْنِ أَوْلَى مِنْ نِكَاحِ أَمَةٍ، لِأَنَّ اسْتِرْقَاقَ بَعْضِ الْوَلَدِ أَخَفُّ مِنْ اسْتِرْقَاقِ كُلِّهِ. (وَمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ مُوسِرًا حَالَ النِّكَاحِ) أَوْ لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ فَارَقَهَا وُجُوبًا، لِاعْتِرَافِهِ بِفَسَادِ نِكَاحِهِ (وَلَا مَهْرَ) لَهَا (إنْ) كَانَ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَ(صَدَّقَهُ سَيِّدٌ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى بُطْلَانِ النِّكَاحِ، (وَإِلَّا) يُصَدِّقَهُ سَيِّدٌ فِي ذِكْرِهِ أَنَّهُ كَانَ مُوسِرًا، وَلَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ (لَزِمَهُ) لِلسَّيِّدِ (النِّصْفُ) أَيْ: نِصْفُ الْمَهْرِ، لِأَنَّ إقْرَارَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَى السَّيِّدِ (أَوْ) عَلَيْهِ لِلسَّيِّدِ (الْكُلُّ) أَيْ: كُلُّ الْمَهْرِ (إنْ) كَانَ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ بَعْدَ أَنْ (دَخَلَ) بِهَا بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فَإِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَكْثَرَ مِنْ الْمُسَمَّى؛ لَزِمَهُ، لِإِقْرَارِهِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى أَكْثَرَ، وَجَبَ لِلسَّيِّدِ إلَّا أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ فِيمَا قَالَ؛ فَيَكُونُ لَهُ مِنْ الْمَهْرِ مَا يَجِبُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ. (وَيَصِحُّ نِكَاحُ أَمَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) مَعَ أَنَّ فِيهِ شُبْهَةً تُسْقِطُ الْحَدَّ وَلَا تَصِيرُ أَمَةً مَنْكُوحَةً مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (إنْ وَلَدَتْ أُمُّ وَلَدٍ) ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ، لِأَنَّهُ مِنْ زَوْجٍ وَلَوْ كَانَ يَمْلِكُهَا أَوْ شَيْئًا مِنْهَا لَمَا صَحَّ النِّكَاحُ. (وَلَا يَكُونُ وَلَدُ الْأَمَةِ) مِنْ زَوْجِهَا (حُرًّا) إنْ لَمْ يَكُنْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ لِسَيِّدِهَا (إلَّا بِاشْتِرَاطِ) الزَّوْجِ (حُرِّيَّتَهُ) فَإِنْ اشْتَرَطَهَا فَحُرٌّ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا، أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا». وَلِقَوْلِ عُمَرَ: مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ. وَلِأَنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ، فَكَانَ لَازِمًا كَشَرْطِ سَيِّدِهَا زِيَادَةً فِي مَهْرِهَا.
تَنْبِيهٌ:
لَيْسَ لِلزَّوْجِ اشْتِرَاطُ حُرِّيَّةِ وَلَدٍ يَحْدُثُ لَهُ مِنْ أَمَةٍ مَوْقُوفَةٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ عَلَى نَاظِرٍ وَوَلِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ، وَإِنَّمَا يَتَصَرَّفُ لِلْغَيْرِ بِمَا فِيهِ حَظٌّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَلَا أَثَرَ لِاشْتِرَاطِهِ.
(وَ) يُبَاحُ (لِقِنٍّ وَمُدَبَّرٍ) (وَمُكَاتَبٍ وَمُبَعَّضٍ نِكَاحُ أَمَةٍ، وَلَوْ) كَانَتْ الْأَمَةُ (لِابْنِهِ) الْحُرِّ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ قَطَعَ وِلَايَةَ وَالِدِهِ عَنْهُ وَعَنْ مَالِهِ، وَلِهَذَا لَا يَلِي مَالَهُ وَلَا نِكَاحَهُ وَلَا يَرِثُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ؛ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ مِنْهُ (حَتَّى) وَلَوْ تَزَوَّجَهَا (عَلَى حُرَّةٍ) وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْكَفَاءَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ النِّكَاحِ، وَأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَا تُعْتَبَرُ فِي الْكَفَاءَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ.
(وَ) لِلْعَبْدِ (جَمْعٌ بَيْنَهُمَا) أَيْ: بَيْنَ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ (فِي عَقْدٍ) وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ إفْرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَالْأَمَتَيْنِ.
وَ(لَا) يُبَاحُ لِلْعَبْدِ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ (نِكَاحُ سَيِّدَتِهِ) وَلَوْ مَلَكَتْ بَعْضَهُ، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا، لِأَنَّ أَحْكَامَ الْمِلْكِ وَالنِّكَاحِ تَتَنَاقَضُ؛ إذْ مِلْكُهَا إيَّاهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ نَفَقَتِهِ عَلَيْهَا، وَأَنْ يَكُونَ بِحُكْمِهَا، وَنِكَاحُهُ إيَّاهَا يَقْتَضِي عَكْسَ ذَلِكَ، وَلِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَنَحْنُ بِالْجَابِيَةِ وَقَدْ نَكَحَتْ عَبْدَهَا، فَانْتَهَرَهَا عُمَرُ، وَهَمَّ أَنْ يَرْجُمَهَا، وَقَالَ: لَا يَحِلُّ لَك.
(وَ) يُبَاحُ (لِأَمَةٍ نِكَاحُ عَبْدٍ وَلَوْ) كَانَ الْعَبْدُ (لِابْنِهَا) لِقَطْعِ رِقِّهَا التَّوَارُثَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ابْنِهَا؛ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ مِنْهَا.
وَ(لَا) يَصِحُّ (أَنْ تَتَزَوَّجَ) أَمَةٌ (سَيِّدَهَا) لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ يُفِيدُ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ وَإِبَاحَةَ الْبُضْعِ؛ فَلَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ عَقْدٌ أَضْعَفُ مِنْهُ (وَلَا) يُبَاحُ (لِحُرٍّ أَوْ حُرَّةٍ نِكَاحُ أَمَةٍ أَوْ عَبْدِ وَلَدِهِمَا) مِنْ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهَا شُبْهَةَ مِلْكٍ؛ لِحَدِيثِ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» وَلَا لِلْحُرَّةِ نِكَاحُ عَبْدِ وَلَدِهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ، أَنَّ الِابْنَ لَوْ مَلَكَ جُزْءًا مِنْ أَمَةٍ لَمْ يَجُزْ لِأَبِيهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مَا دَامَ لِلِابْنِ فِيهَا مِلْكٌ وَلَوْ مَلَكَ جُزْءًا مِنْ عَبْدٍ لَمْ يَجُزْ لِوَالِدَتِهِ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ مَا دَامَ لِابْنِهَا فِيهِ مِلْكٌ؛ فَمَعَ كَوْنِهَا أَوْ كَوْنِهِ كُلِّهِ أَوْ كُلِّهَا لِلْوَلَدِ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ. (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ) أَنَّهَا لَا تُحَرَّمُ أَمَةُ وَلَدِ الْوَلَدِ عَلَى جَدِّ الْوَلَدِ، وَإِنْ عَلَا، وَلَا جَدَّةُ الْوَلَدِ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهَا. (وَإِنْ نَزَلَ) لِأَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ لَيْسَ كَالْوَلَدِ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ مَلَكَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ) الزَّوْجَ الْآخَرَ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ نَحْوِهَا، انْفَسَخَ النِّكَاحُ؛ لِتَنَافِي أَحْكَامِ الْمِلْكِ وَالنِّكَاحِ كَمَا تَقَدَّمَ (أَوْ) مَلَكَ (وَلَدُهُ الْحُرُّ) أَيْ: وَلَدُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الزَّوْجَ الْآخَرَ؛ أَوْ بَعْضَهُ، انْفَسَخَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ وَلَدِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ كَمِلْكِ أَصْلِهِ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ، فَكَانَ كَمِلْكِهِ فِي إسْقَاطِ الزَّوْجِ (أَوْ) مَلَكَ (مُكَاتَبُهُ) أَيْ: مُكَاتَبُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ مَلَكَ (مُكَاتَبُ وَلَدِهِ) أَيْ: وَلَدِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ (الزَّوْجَ الْآخَرَ أَوْ) مَلَكَ (بَعْضَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ الْآخَرِ (انْفَسَخَ النِّكَاحُ) لِمَا سَبَقَ، فَلَوْ بَعَثَتْ إلَيْهِ زَوْجَتُهُ: حُرِّمْتَ عَلَيْك، وَنَكَحْت غَيْرَك وَعَلَيْك نَفَقَتِي وَنَفَقَةُ زَوْجِي؛ فَقَدْ مَلَكَتْ زَوْجَهَا، وَتَزَوَّجَتْ ابْنَ عَمِّهَا، وَهَذَا الْفَسْخُ لَا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ، فَلَوْ أَعْتَقَتْهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا؛ لَمْ يُحْتَسَبْ بِتَطْلِيقِهِ. (وَمَنْ جَمَعَ فِي عَقْدٍ بَيْنَ مُبَاحَةٍ وَمُحَرَّمَةٍ كَأَيِّمٍ) بِتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ، أَيْ: مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا (وَمُزَوَّجَةٍ صَحَّ فِي الْأَيِّمِ) لِأَنَّهَا مَحِلٌّ قَابِلٌ لِلنِّكَاحِ أُضِيفَ إلَيْهَا عَقْدٌ مِنْ أَهْلِهِ لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهَا فِيهِ مِثْلُهَا، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ أُفْرِدَتْ بِهِ، وَفَارَقَ الْعَقْدَ عَلَى الْأُخْتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، وَهُنَا قَدْ تَعَيَّنَتْ الَّتِي بَطَلَ فِيهَا النِّكَاحُ، وَلَهَا مِنْ الْمُسَمَّى بِقِسْطِ مَهْرِ مِثْلِهَا مِنْهُ.
(وَ) مَنْ جَمَعَ فِي عَقْدٍ (بَيْنَ أُمٍّ وَبِنْتٍ؛ صَحَّ) الْعَقْدُ (فِي الْبِنْتِ) دُونَ الْأُمِّ، لِأَنَّهُ عَقْدٌ تَضَمَّنَ عَقْدَيْنِ يُمْكِنُ تَصْحِيحُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، فَصَحَّ فِيمَا يَصِحُّ، وَبَطَلَ فِيمَا يَبْطُلُ؛ إذْ لَوْ فَرَضْنَا سَبْقَ عَقْدِ الْأُمِّ ثُمَّ بُطْلَانَهُ، ثُمَّ عَقَدَ عَلَى الْبِنْتِ، صَحَّ نِكَاحُ الْبِنْتِ، بِخِلَافِ عَكْسِهِ، فَإِذَا وَقَعَا مَعًا، فَنِكَاحُ الْبِنْتِ أَبْطَلَ نِكَاحَ الْأُمِّ، لِأَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ زَوْجَتِهِ، وَنِكَاحُ الْأُمِّ لَا يُبْطِلُ نِكَاحَ الْبِنْتِ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ رَبِيبَةً مِنْ زَوْجَةٍ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا (وَكَذَا لَوْ) جَمَعَ كَافِرٌ فِي عَقْدٍ بَيْنَ أُمٍّ وَبِنْتٍ وَ(أَسْلَمَ الْكَافِرُ قَبْلَ دُخُولِهِ بِهِمَا) أَيْ: الْأُمِّ وَبِنْتِهَا، صَحَّ فِي الْبِنْتِ دُونَ أُمِّهَا، لِمَا سَبَقَ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ دُخُولِهِ بِالْبِنْتِ وَحْدَهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا. وَبَعْدَ دُخُولِهِ بِهِمَا حَرُمَتَا عَلَيْهِ مَعًا بِلَا نِزَاعٍ. (وَمَنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا) كَالْمَجُوسِيَّةِ وَالدُّرْزِيَّةِ وَالنُّصَيْرِيَّةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّة وَشَبَهِهَا وَمُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا (حَرُمَ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ يَمِينٍ) لِأَنَّ النِّكَاحَ إذَا حَرُمَ لِكَوْنِهِ طَرِيقًا إلَى الْوَطْءِ فَلَأَنْ يَحْرُمَ الْوَطْءُ نَفْسُهُ أَوْلَى (إلَّا الْأَمَةَ الْكِتَابِيَّةَ) فَيَحْرُمُ نِكَاحُهَا لَا وَطْؤُهَا بِمِلْكِ يَمِينٍ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وَلِأَنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ إنَّمَا حَرُمَ لِأَجْلِ إرْقَاقِ الْوَلَدِ وَبَقَائِهِ مَعَ كَافِرٍ، وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ. (وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ خُنْثَى مُشْكِلٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ) نَصًّا؛ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ مَا يُبِيحُهُ، فَغَلَبَ الْحَظْرُ كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ.
تَتِمَّةٌ:
قَالَ الْخِرَقِيِّ: إذَا قَالَ الْخُنْثَى: أَنَا رَجُلٌ؛ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ نِكَاحِ النِّسَاءِ، وَإِنْ قَالَ: أَنَا امْرَأَةٌ؛ لَمْ يَنْكِحْ إلَّا رَجُلًا، فَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ قَالَ: أَنَا امْرَأَةٌ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ لِإِقْرَارِهِ بِبُطْلَانِهِ، وَلَزِمَهُ نِصْفُ الْمَهْرِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ جَمِيعُهُ إنْ كَانَ بَعْدَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَنْكِحَ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقَوْلِهِ: أَنَا رَجُلٌ بِتَحْرِيمِ الرِّجَالِ، وَأَقَرَّ بِقَوْلِهِ: أَنَا امْرَأَةٌ بِتَحْرِيمِ النِّسَاءِ، وَإِنْ تَزَوَّجَ رَجُلًا ثُمَّ قَالَ: أَنَا رَجُلٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي فَسْخِ نِكَاحِهِ، لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ، فَإِذَا زَالَ نِكَاحُهُ؛ فَلَا مَهْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ، سَوَاءٌ دُخِلَ بِهِ أَوْ لَمْ يُدْخَلْ، وَيَحْرُمُ النِّكَاحُ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا، أَفَادَهُ الشَّارِحُ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
(وَلَا يَحْرُمُ فِي الْجَنَّةِ زِيَادَةُ الْعَدَدِ وَلَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَحَارِمِ وَغَيْرِهِ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ دَارَ تَكْلِيفٍ. (وَيَتَّجِهُ) وَكَذَلِكَ لَا يَحْرُمُ فِيهَا تَنَاوُلُ مَا نُهِيَ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا، كَشُرْبِ خَمْرٍ وَعَدَمِ فِعْلِ مَا أَمَرَ بِهِ (وَلُبْسِ حَرِيرٍ) وَاسْتِعْمَالُ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ (وَتَرْكُ صَلَاةٍ) وَصَوْمٌ وَعَدَمُ اغْتِسَالٍ مِنْ جَنَابَةٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ التَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي يَجِبُ اجْتِنَابُهَا فِي الدُّنْيَا أَوْ فِعْلُهَا فِيهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.